فی العام الماضی کان رئیس الوزراء البریطانی دافید کامیرون فی زیارة لمدینة بلیموث فتوجه الى کافیتریا لیحتسی القهوة وکان علیه أن یقف فی الطابور ومرت عشر دقائق فلم یفسح له أحد من الواقفین فی الطابور. عندئذ طلب کامیرون من عاملة المقهى الإسراع فی عملها فما کان منها إلا أن وبخت رئیس الوزراء، قائلة: علیک بالانتظار مثل الآخرین حتى یحین دورک.
إنها الثقافة الدیموقراطیة التی لا تعتبر رئیس الوزراء قائداً ملهماً ولا رمز الأمة ولا کبیر العائلة،.. الى آخر هذه الأوصاف السخیفة التی تنتشر فی الأنظمة الاستبدادیة. رئیس الجمهوریة أو رئیس الوزراء فی النظام الدیموقراطی لیس الا موظفاً عاماً من حقک أن تنتقده بقسوة ومن حقک أن تتظاهر ضده فتقوم الشرطة بحمایة المظاهرة التی تنظمها حتى لا یعتدی علیها احد، إلا إذا حمل السلاح واعتدى على الآخرین. عندئذ یتحول المواطن الى مجرم یجب عقابه ومحاکمته .. فی شهر مایو الماضی قام اثنان من الارهابیین المتأسلمین بذبح جندی بریطانی فی لندن وسط ذهول المارة وبعد دقائق وصل رجال الشرطة ففتحوا النار فوراً على القاتلین اللذین سقطا مصابین بجراح خطیرة.
الأحداث کثیرة سواء فی بریطانیا أو فرنسا أو غیرها من الدول، والتعامل الحاسم نفسه حدث مع کل المنظمات الارهابیة فی أوروبا التی نشطت فی السبعینیات مثل الألویة الحمراء فی ایطالیا و«بادر ماینهوف» فی ألمانیا و«ایتا» فی أسبانیا.. الدولة الدیموقراطیة لا تتسامح مع الإرهابیین وانما تردعهم حمایة للوطن والشعب.. فی وسط الظروف الصعبة التی تعیشها مصر لا یجوز لنا أن نخلط بین العمل السیاسی والنشاط الارهابی. إن جماعة «الاخوان المسلمین» لها تاریخ طویل فی الارهاب استمر منذ انشائها فی العام 1928 وحتى الستینیات عندما تلقت ضربة أمنیة ساحقة فی العهد الناصری ثم أعید تشکیل الجماعة فی السبعینیات وتم تقدیمها على أنها جماعة دعویة سیاسیة سلمیة تتبنى الإسلام السیاسی وتؤمن بالدیموقراطیة. وفی أعقاب ثورة ینایر وصل الاخوان الى السلطة عن طریق الانتخابات ثم عطلوا النظام الدیموقراطی بواسطة الاعلان الدستوری فی تشرین الثانی 2012 وأظهروا وجههم الفاشی وقرروا إعادة ترکیب الدولة المصریة حتى یستأثروا بالسلطة الى الأبد. ثم ثار الشعب ضدهم فی «30 یونیو» وانضم الجیش الى الشعب. هنا اکتشف المصریون ان «الاخوان» لم یُقلعوا عن الارهاب یوماً واحداً وانهم أعدوا تنظیماً مسلحاً سریاً لینفذ اعتداءات ارهابیة وقت الحاجة. ان الجرائم التی یرتکبها «الاخوان» الآن تخرجهم من النظام الدیموقراطی، فلم یعد یمکن اعتبارهم جماعة سیاسیة وانما هم تنظیم ارهابی یجب على الدولة أن تحله وتجرم الانتماء الیه تماماً، کما فعلت الدول الأوروبیة مع کل التنظیمات الارهابیة التی تتمیز عنها جماعة «الاخوان» بأنها تمارس الارهاب من منطلق دینی. ان «الاخوان» الذین رفعوا السلاح فی وجه الدولة هم بالأساس ضحایا لشیوخهم الذین صوروا لهم انهم لیسوا فی منافسة سیاسیة وانما یخوضون جهاداً مقدساً ضد أعداء الاسلام. من المحزن فعلاً أن نرى «الاخوان» وحلفاءهم یرتکبون أبشع الجرائم وهم یعتقدون أنهم یمثلون الاسلام، بینما هم أبعد ما یکون عن مبادئه العظیمة التی تدعو الى الحق والعدل والحریة. علینا الآن أن نستوعب الدرس فنمنع فی الدستور الجدید إنشاء الأحزاب السیاسیة على أساس دینی، بعد حل جماعة «الاخوان» وتجریمها فإن أعضاء «الاخوان» الذین لم یرتکبوا جرائم سیکون من حقهم أن ینشئوا ما شاءوا من أحزاب على أن تکون مدنیة لا تتحدث باسم الدین ولا تقدّم نفسها باعتبارها الممثلة الوحیدة لشرع الله. مهما تکن درجة خصومتک الفکریة مع «الاخوان» فلا شک فی أنک أحسست بحزن بالغ وأنت تطالع وجوه الضحایا الذین سقطوا أثناء فض اعتصامهم فی میدانی النهضة ورابعة العدویة. لا شک فی أنک تساءلت عما اذا لم یکن ممکناً فض الاعتصام بعدد أقل من الضحایا. من باب الانصاف علینا أن نتذکر عشرات الشهداء من أفراد الجیش والشرطة الذین تم قتلهم بخسة على ایدی «الاخوان» او حلفائهم من التکفیریین فی کرداسة وسیناء وسائر المحافظات.
لنتذکر ان اعتصام «الاخوان» لم یکن سلمیاً، فقد خرجت منه مراراً وتکراراً مظاهرات مسلحة کانت تطلق النیران وتقتل الأبریاء فی الشوارع، حدث ذلک فی المنیل وبین السرایات والجیزه ومعظم المدن المصریة. نستشهد هنا بالتقریر الذی اصدرته منظمة العفو الدولیة فی 2 آب الماضی عن اعتصام «الاخوان» فی رابعة والنهضة. فقد أکدت المنظمة فی تقریرها وجود أسلحة فی الاعتصام ووثقت حالات عدیدة تم فیها اعتقال معارضی «الاخوان» وقتلهم أو تعذیبهم بطریقة بشعة وأوردت شهادات لضحایا «الاخوان».
الخلاصة ان ما قام به «الاخوان» فی میدانی النهضة ورابعة لم یکن اعتصاما سلمیا وانما کان أشبه بالمستعمرة المسلحة حیث یتم فیها التعذیب البشع لکل من یشک «الاخوان» فی انه معارض لهم وتخرج منها کل لیلة المظاهرات المسلحة لتطلق النار عشوائیا وتقتل الابریاء ویتم اقتیاد مواطنین وکانهم أسرى حرب لیجری ضربهم وصعقهم بالکهرباء والاعتداء علیهم ببشاعة. السؤال: لو تمت هذه الممارسات الإجرامیة فی لندن، هل کانت الحکومة البریطانیة ستعتبر هذا الاعتصام قانونیاً وهل کانت ستنتظر شهراً ونصفاً حتى تفضّه؟ نحن هنا لا نبرر القتل تحت أی مسمى ونکرر عزاءنا لأسر الضحایا جمیعاً، بغض النظر عن انتمائهم، لکننا فقط نذکر ان «الاخوان» رفضوا کل الحلول السیاسیة التی قدمت الیهم ورفضوا الانذارات المتکررة لفض الاعتصام ورفضوا الخروج فی الممرات الآمنة التی وفرتها الشرطة لهم کما انهم بدأوا باطلاق النار على رجال الشرطة فسقط منهم أربعة شهداء قبل أن یقوم زملاؤهم بتبادل النیران مع المعتصمین المسلحین.
اذا کانت الشرطة قد استعملت القوة المسرفة مما زاد من عدد الضحایا فلابد من محاکمة الضباط المسؤولین عن ذلک، لکننا فی النهایة لسنا أمام جریمة قتل للمتظاهرین السلمیین کما حدث فی «ثورة ینایر» وانما نحن بصدد مواجهة بین الدولة وارهابیین مسلحین یسقط فیها ضحایا من الطرفین، وتکون المسؤولیة الأولى على عاتق من رفع السلاح فی وجه الدولة.
إن ما یحدث فی مصر الآن لیس صراعاً سیاسیاً وإنما هو بکل وضوح حرب حقیقیة تخوضها مصر کلها ضد جماعة إرهابیة تسعى لقتل الأبریاء وترویعهم وإسقاط الدولة وإشاعة الفوضى. ان استعمال مدافع «الآر بی جی» فی الهجوم المتزامن على أقسام الشرطة فی معظم المحافظات وإحراق مؤسسات الدولة مثل محافظة الجیزة وإحراق عشرات الکنائس والاعتداءات الواسعة على الاقباط فی الصعید. کل ذلک لا یمکن تسمیته الا بالإرهاب الذی یستهدف إسقاط الدولة المصریة حتى یسترجع «الاخوان» السلطة التی تم إقصاؤهم عنها بارادة الشعب. انهم یواصلون الاعتداء على الأقباط بإلحاح وخسة حتى یستدرجوهم الى الرد دفاعاً عن ممتلکاتهم وکنائسهم، عندئذ تندفع مصر الى حرب طائفیة تنشر الخراب فی کل مکان. لا بد هنا أن نحیی المصریین الأقباط الذین ارتفع مستوى وعیهم السیاسی وإخلاصهم لمصر لدرجة جعلتهم یشاهدون کنائسهم وهی تحرق امام أعینهم فلا یتورطون فی رد فعل عنیف واحد حتى یفوتوا الفرصة على من یرید ان یسقط مصر فی حرب طائفیة. مصر الآن کلها تخوض الحرب ضد الارهاب دفاعاً عن حاضرها ومستقبلها، وفی وقت الحرب لا مکان لمن یتفرج أو یتردد أو یمسک بمنتصف العصا أو یتقاعس أو یتخلى عن المصریین فی وقت الشدة (کما فعل الدکتور البرادعی). واجبنا جمیعاً أن ندعم الدولة المصریة بکل قوتنا ضد الإرهاب. الثورة مستمرة حتى تحقق أهدافها لتبدأ مصر المستقبل الذی تستحقه.
ینشر بالتزامن مع «المصری الیوم» ـ القاهرة